الفصل الأول
المقومات الأساسية للمجتمع
لا يمكن لأيّ مجتمع أن يستقر، على مدى قرون ضاربة في القدم، وينجح بجدارة في بناء حضارة متميزة كشأن المجتمع البحريني، دون أن يتمتع ذلك المجتمع بمجموعة من القيم الأساسية التي تضمن تماسكه، وتدفع به إلى الأمام، وتعمل على رقيه، وتدعم دولته المباركة انطلاقًا من العقيدة الإسلامية السمحاء لشعب البحرين الأصيل وانتمائه العربي، فقد توافق المجتمع البحريني على مجموعة من المقومات الأساسية التي تنسجم مع القيم العربية والإسلامية.
وهذه القيم التي ينبغي التمسك بها والحفاظ عليها، بل والدفاع عنها، لأنها اختيار المجتمع ذاته بكل فئاته واتجاهاته، وهي غرس الآباء والأجداد من أجل وجود مجتمع فاضل وصيانته. ومن ثم، فإن هذه المقومات الأساسية لا يجوز لأي من السلطات العامة أو المواطنين الخروج عليها أو تجاوزها، وذلك حرصًا على صالح المجتمع والدولة. ويمكن إجمالها فيما يلي:
أولا: أهداف الحكم وأساسه
يهدف الحكم إلى صيانة البلاد، ورفعة شأن الدولة، والحفاظ على الوحدة الوطنية وتحقيق التنمية المستدامة الشاملة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها.
العدل أساس الحكم.والمساواة وسيادة القانون والحرية والأمن والطمأنينة والعلم والتضامن الاجتماعي وتكافؤ الفرص بين المواطنين دعامات للمجتمع تكفلها الدولة.
وهذه القيم الرفيعة التي تتمسك بها دولة البحرين، أميرًا وحكومة ً وشعبًا، كل التمسك، من أجل المستقبل، كانت هي ذاتها مناط الحكم وأساسه على مدار كل السنين السابقة، مدعومة بقيم التراحم والتعاون والتواصل بين الحاكم وأفراد الشعب. ومن ثم فقد احتفظت قيمة العدل بجلالها وبهائها، وعاشت هذه القيمة الأصيلة في مجتمع البحرين بكل احترام ورعاية إلى جانب قيمة التراحم والمودة.
ثانيًا: كفالة الحريات الشخصية والمساواة
الحريات الشخصية مكفولة، والمساواة بين المواطنين والعدالة وتكافؤ الفرص، دعامات أساسية للمجتمع. ويقع على الدولة عبء كفالتها للمواطنين جميعًا، بلا تفرقة. ويأتي ذلك ضمن مبدأ أعم وأشمل، هو مبدأ المساواة بين الناس في الكرامة الإنسانية. ذلك المبدأ الذي كرسه الإسلام قبل أربعة عشر قرنـًا من الزمان، وقد أكد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، على أن الناس سواسية كأسنان المشط لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى والعمل الصالح. ويتفرع عن هذا المبدأ الإسلامي والإنساني الرائع مجموعة من المبادئ المرتبطة به والتي تعد من مقتضياته الأساسية وهي:
المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات، لا تمييز بينهم بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة، وذلك ما أكده الأمير القائد في أول خطاب وجهه إلى شعبه غداة توليه مقاليد الحكم في البلاد.
الحرية الشخصية مكفولة وفقًا للقانون، فلا يجوز القبض على إنسان أو توقيفه أو حبسه أو تفتيشه أو تحديد إقامته أو تقييد حريته في الإقامة أو التنقل، إلا وفق القانون وتحت رقابة القضاء.
لا يجوز بأي حال تعريض أي إنسان لأي نوع من أنواع التعذيب المادي أو المعنوي، أو لأية معاملة غير إنسانية أو مهينة أو ماسة بالكرامة. ويبطل أي اعتراف أو قول يصدر تحت وطأة التعذيب أو التهديد أو الإغراء. وبصفة خاصة، يحظر إيذاء المتهم ماديًا أو معنويًا. ويكفل القانون توقيع العقوبة على من يرتكب جريمة التعذيب أو الإيذاء البدني أو النفسي.
لا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون، ولا عقوبة إلا على الأفعال اللاحقة لنفاذ القانون المنشئ للجريمة.
العقوبة شخصية، والمتهم بريء حتى تثبت إدانته، بموجب محاكمة عادلة، تتوافر له فيها كافة الضمانات التي تكفل له حق الدفاع في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة طبقًا للقانون. ويجب أن يكون لكل متهم في جناية محام ٍ يتولى الدفاع عنه بموافقته. وحق التقاضي مكفول وفقًا للقانون.
للمساكن حرمة مصونة، فلا يجوز دخولها أو تفتيشها إلا بإذن أهلها، واستثناء في حالة الضرورة القصوى يجوز ذلك في الأحوال التي يعينها القانون تحت رقابة السلطة القضائية.
للمراسلات الشخصية حرمتها وسريتها، والمراسلات البريدية والبرقية والهاتفية والإلكترونية وغيرها مصونة، ولا يجوز أن تخضع هذه المراسلات للرقابة أو التفتيش إلا في حالات الضرورة التي يقررها القانون تحت رقابة السلطة القضائية.
ثالثًا: حرية العقيدة
تكفل الدولة حرية العقيدة، وتكون حرية الضمير مطلقة. وتصون الدولة حرمة دور العبادة وتضمن حرية إقامة الشعائر الدينية وفق العادات السائدة في البلاد.
رابعًا: حرية التعبير والنشر
لكل مواطن حق التعبير عن رأيه بالقول أو بالكتابة أو بأي طريقة أخرى من طرق التعبير عن الرأي أو الإبداع الشخصي، وبمقتضى هذا المبدأ فإن حرية البحث العلمي وحرية النشر والصحافة والطباعة مكفولة في الحدود التي يبينها القانون.
خامسًا: نشاط المجتمع المدني
من أجل استفادة المجتمع من كل الطاقات والأنشطة المدنية تكفل الدولة حرية تكوين الجمعيات الأهلية والعلمية والثقافية والمهنية والنقابات على أسس وطنية، ولأهداف مشروعة، وبوسائل سلمية وفقًا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، ولا يجوز إجبار أحد على الانضمام إلى جمعية أو نقابة أو الاستمرار فيها.
سادسًا: : الأسرة أساس المجتمع
من منطلق الإيمان بأن الأسرة هي اللبنة الأساسية للمجتمع، وبصلاحها تقوى أواصره وتعلو قيم الدين والأخلاق وحب الوطن، تحفظ الدولة كيان الأسرة الشرعي، وتحمي في ظلها الأمومة والطفولة، وترعى النشء، وتحميه من الاستغلال وتقيه الإهمال الأدبي والجسماني والروحي، كما تعنى الدولة خاصة بنمو الشباب البدني والخلقي والعقلي.
وفي هذا الإطار تكفل الدولة تحقيق الضمان الاجتماعي اللازم للمواطنين في حالة الشيخوخة أو العجز عن العمل أو اليتم أو الترمل أو البطالة، كما تؤمن لهم خدمات التأمين الاجتماعي، وتؤمّن الدولة الرعاية الصحية وتعنى بالسياسات الصحية التي تعزز أهداف الصحة للجميع.
وتكفل الدولة تضامن المجتمع في تحمل الأعباء الناجمة عن الكوارث والمحن العامة وتعويض المصابين بأضرار الحرب أو بسبب تأدية واجباتهم العسكرية.
وتعمل الدولة على دعم حقوق المرأة وسن التشريعات الخاصة بحماية الأسرة وحماية أفرادها.
سابعًا: العمل واجب وحق
العمل واجب على كل مواطن، تقتضيه الكرامة ويستوجبه الخير العام، ولكل مواطن الحق في العمل وفي اختيار نوعه وفقًا للنظام العام والآداب.
وتكفل الدولة توفير فرص العمل للمواطنين وعدالة شروطه ضمن برامج التنمية الاقتصادية الوطنية، مع الأخذ في الاعتبار أنه لا يجوز فرض عمل إجباري على أحد إلا في الأحوال التي يعينها القانون ولضرورة قومية وبأجر عادل.
وينظم القانون على أسس اقتصادية مع مراعاة قواعد العدالة الاجتماعية العلاقة بين العمال وأصحاب الأعمال.
ثامنًا: التعليم والثقافة والعلوم
ترعى الدولة العلوم والآداب والفنون، وتشجع البحث العلمي، كما تكفل الخدمات التعليمية والثقافية للمواطنين. ويكون التعليم إلزاميًا ومجانيًا في المراحل الأولى التي يحددها ويبينها القانون الذي يضع أيضًا خطة للقضاء على الأمية.
كما ينظم القانون أوجه العناية بالتربية الدينية في مختلف مراحل التعليم وأنواعه، ويعنى فيها جميعًا بالتربية الوطنية وبتقوية شخصية المواطن واعتزازه بوحدته الوطنية وقوميته العربية.
وتعد الجامعات بمثابة منارات للإشعاع الفكري والتقدم العلمي مما يقتضي توفير الحرية الأكاديمية لها، وضمان ممارسة هذه الحرية وانفتاحها على آفاق المعرفة، وتعمل الدولة على تشجيع التعليم الخاص وتأسيس الجامعات والمعاهد الخاصة. مع دعم مؤسسات البحث العلمي والتكنولوجي وربط نظام التعليم بسوق العمل لتلبية حاجات البلاد من القوى البشرية المؤهلة في الحاضر والمستقبل.