(انظر الملحق 7/ صفحة 139)
الرئيـــــــــــــــس: تفضلي الأخت مقررة اللجنة.
العضو جميلة علي سلمان: شكرًا سيدي الرئيس، استلمت اللجنة خطاب معالي رئيس المجلس لإعداد تقرير يتضمن رأي اللجنة بشأن المقترح ليتم عرضه على المجلس. تدارست اللجنة الاقتراح بقانون، ومذكرته الإيضاحية، واطلعت على الرأي القانوني للجنة الشؤون التشريعية والقانونية، وعلى رأي هيئة المستشارين القانونيين بالمجلس، وقد ثمنت اللجنة كثيرًا ما بذلته مقدمة الاقتراح من جهد في إعداد هذا الاقتراح، إلا أنها رأت أن هذا الاقتراح صعب التنفيذ، وذلك لأن المبادئ الأساسية التي يقوم عليها الاقتراح بقانون كما أشير إليها في المذكرة الإيضاحية هي: «أن الاقتراح بقانون يأخذ بنظام يسمى التفاوض على العقوبة، وبموجبه تعرض سلطة الاتهام على المتهم الاعتراف بالجريمة مقابل تخفيف العقوبة المقررة للجريمة أو الحكم بغرامة بدلاً من الحبس، وعدم ملاحقة المتهم عن الأفعال الأخرى المرتبطة بالجريمة المعترف بها، وتنازل المتهم عن حق الدفاع المقرر له بمقتضى الدستور والقانون، ثم تحال الأوراق إلى المحكمة المختصة لتصدر حكمها في القضية بناءً على الاعتراف من دون مرافعة، ويكون الحكم واجب النفاذ غير قابل للطعن عليه، مع حق المحكمة في أن تقرر وقف تنفيذه وفقًا لأحكام المادة (81) من قانون العقوبات. ويتم خصم مدة الحبس الاحتياطي من مدة العقوبة المحكوم بها، ومن هنا وانطلاقًا من الحفاظ على كيان المجتمع وتشجيع من يرتكب جرائم بسيطة على الاعتراف بها مقابل تخفيف العقوبة فقد كانت الحاجة إلى تعديل بعض نصوص قانون الإجراءات الجنائية تلزم سلطة الاتهام بالتفاوض أو عرض الاعتراف على المتهم مقابل تخفيف العقوبة، وذلك لمواكبة التطور التشريعي في النظام الأوروبي والأمريكي». وترى اللجنة أن هذه المبادئ الأساسية التي يقوم عليها الاقتراح بقانون والمتمثلة في إغراء المتهم بالاعتراف مقابل تخفيف العقوبة أو الإعفاء منها؛ تبدو مخالفة للمبادئ التي تضمنتها المادة 19 من الدستور في البند (د) منها إذ نصت على أنه «لا يعرض أي إنسان للتعذيب المادي أو المعنوي أو للإغراء أو للمعاملة الحاطة بالكرامة، ويحدد القانون عقاب من يفعل ذلك. كما يبطل كل قول أو اعتراف يثبت صدوره تحت وطأة التعذيب أو بالإغراء أو لتلك المعاملة أو التهديد بأي منها»، كما أنها تخالف من ناحية أخرى المبادئ التي تضمنتها المادة 20 من الدستور، إذ ينص البند (ج) منها على أن «المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة وفقًا للقانون». كما ترى اللجنة أن كل ما ذُكر للدفاع عن هذا النظام الذي جاء به الاقتراح بقانون لا يبرر الأخذ به في مقابل السلبيات الكثيرة التي تترتب عليها فعلاً، أو أنها من المتوقع أن تترتب عليه مستقبلاً. فالاقتراح بقانون يلزم عضو النيابة بأن يعرض على المتهم الاعتراف بكل جريمة مشمولة في الاقتراح بقانون بصرف النظر عن صعوبة أو سهولة إثباتها، وهذا بدوره سيؤدي إلى تشجيع كل من يريد أن يُقدم على ارتكاب مثل هذه الجرائم طالما أنه قد علم مسبقًا بالعقوبة المخففة التي ستوقع عليه، مما سيؤدي إلى التقليل من قيمة الردع العام والخاص بالنسبة إلى ارتكاب مثل هذه الجرائم، فضلاً عن تسهيل التستر على الفاعل الأصلي أو المحرض أو الشريك عندما يكون الاعتراف غير صادق في الكشف عن الحقيقة، وهو احتمال وارد دائمًا. وفي ضوء ذلك وفي ضوء ما دار من مناقشات وما أُبدي من آراء توصي اللجنة بعدم الموافقة على الاقتراح بقانون بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم 46 بإصدار قانون الإجراءات الجنائية، والأمر معروض على مجلسكم الموقر، وشكرًا.
الرئيـــــــــــــــس: شكرًا، هل هناك ملاحظات؟ تفضلي الأخت دلال جاسم الزايد.
العضو دلال جاسم الزايد: شكرًا سيدي الرئيس، طبعًا الشكر للأخت الزميلة جميلة علي سلمان ولأعضاء اللجنة على هذا التقرير، ولكني أحببت أن أوضح أمرًا سيدي الرئيس، فأنا كنت قد تقدمت بهذا الاقتراح مع الأخت رباب العريض، وأنا مضمونًا معه 100%، حيث لم يوافق عليه مكتب المجلس وتم عرضه على المجلس، والمجلس مشكورًا قرر إحالته إلى اللجنة. وهذا يعتبر من الإجراءات التي تتم وفيها سبيل للإجراءات المتطورة التي أصبحت النيابة تأخذ بها. الأخت رباب تعتبر أكثر من أخت بالنسبة لي، وقد تقدمنا بعدة اقتراحات معًا في هذا المجلس، وقد رُفضت غالبيتها، ولكن كنا نفرح لما يأتي مشروع قانون يتناول مضمون اقتراح بقانون كنا قد تقدمنا به، وأبرز ما أذكره في هذا الجانب كان موضوع التصالح الجنائي في موضوع الشيكات الذي أخذت به الحكومة وتقدمت به في صورة مشروع قانون. وسبب انسحابي من هذا الاقتراح هو التوقيت، فكنت أحس بأن الوقت ليس ملائمًا لتنفيذ مثل هذا الاقتراح، ولكني أتفق مع مضمون الاقتراح، وأختلف مع ما اتجه إليه الإخوان في لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والأمن الوطني، ولن أدخل في تفاصيل قانونية، باعتبار أننا سبق أن شرحناها، ولكننا نعرف أن الاعتراف سيد الأدلة، ونعرف أن المشرع البحريني أخذ بمسألة الإعفاء من العقوبة أو تخفيفها سواء أثناء التحقيق أو أثناء المحاكمة كما وصلنا في تشريعات إلى وقف تنفيذ العقوبة حال صدور الحكم متى ما كانت هناك مبادرة من الجاني بالإخبار عن جريمة ستقع أو وقعت، وخاصة في قضايا المخدرات وغسل الأموال والرشاوى في القطاع الخاص، كان جزءًا من توجه المشرع البحريني الأخذ بهذا المبدأ وهو إما الإعفاء من العقوبة وإما تخفيفها، فجاء هذا الاقتراح بقانون مكملاً للإجراءات. ونحن نعرف أن الجرائم إما أن تكون جناية وإما أن تكون جنحة، وهذا الاقتراح انصب في مواجهة الجنح التي لا تزيد العقوبة الخاصة بها على ثلاث سنوات، وبالتالي حصرها في جانب معين من الجرائم وفي جانب معين من نوعية الجرائم، وأعطى فيها الحق للمتهم في أن يعترف. ونحن نعرف أن كثيرًا من القضايا بحسب قانون الإجراءات الجنائية تتم إحالتها مباشرة إلى المحكمة المختصة، وأول ما يواجه به الشخص في المحكمة قبل البدء في إجراءات الدعوى هو سؤاله: هل أنت مذنب؟ فإذا أقر بذنبه فإن المحكمة تأخذ بهذا الاعتراف مباشرة وتحجزه للحكم، أما إذا قال إنه غير مذنب فإن المحكمة تبدأ في نظر أدلة الاتهام من النيابة العامة ومن المتهم ذاته. وقد أحببت أن أوضح هذه الجزئية لأوضح أن انسحابي لم يكن لاختلاف نظرتي إلى المقترح، لا، المقترح في نظري سليم جدًّا، ولكني توقفت عند الميعاد الزمني لتقديمه، هل نحن اليوم على قدرة للتعامل مع هذا الاقتراح؟ وشكرًا.
الرئيـــــــــــــــس: شكرًا، تفضل الأخ الدكتور الشيخ خالد بن خليفة آل خليفة.
العضو الدكتور الشيخ خالد بن خليفة آل خليفة: شكرًا سيدي الرئيس، اللجنة أوصت برفض هذا الاقتراح لأسباب كثيرة. وأنا لا أريد أن أشير إلى شبهة عدم الدستورية هنا فهذا موضوع له اختصاصه، ولكن المهم بالنسبة إلينا هو نوع الجرائم التي يتناولها هذا المقترح، فهذه جرائم خطيرة جدًا، وأنا أعتقد أن الأخت دلال عندما قالت إن الوقت غير ملائم فعلاً الوقت غير ملائم، لأن المجلس الوطني عندما انعقد أوصى بمكافحة الإرهاب، وهذا المقترح يتناول بعض المواضيع التي تتعلق بمكافحة الإرهاب، فلدينا الجرائم التي عقوبتها الحبس في القانون رقم 58 لسنة 2006م بشأن حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية. فلا يمكن أن نوافق على اقتراح يشجع على الأعمال الإرهابية، وشكرًا.
الرئيـــــــــــــــس: شكرًا، تفضلي الأخت الدكتورة عائشة سالم مبارك.
العضو الدكتورة عائشة سالم مبارك: شكرًا سيدي الرئيس، بداية أتوجه بالشكر الجزيل إلى الأخت رباب العريض مقدمة الاقتراح بقانون. وأنا أعلم أن مقاصدها نبيلة جدًا من تقديم هذا الاقتراح، ويكفي أن تهدف إلى تقليل حجم القضايا المعروضة أمام المحاكم في المملكة. ولكني سأتناول هذا الموضوع من زاوية حقوقية. سابقًا أنا وقفت وقلت بأن هذا المقترح يهدد مبدأ البراءة لدى المتهم، فمن الممكن أن يعترف المتهم حتى يفلت من العقوبة، وهذا يهدد أركان المحاكمة العادلة. ثانيًا: يهدد مبدأ العقوبة بقدر الذنب، فلا يتم التعامل مع الجميع بالمعيار نفسه، وهذا فيه نوع من التمييز. وأتفق مع الأخت دلال حين قالت إن التوقيت غير صحيح. نعم توقيت هذا المقترح غير صحيح، لأننا لا يمكن أن نجتزئ جزءًا صغيرًا من منظومة قضائية مثل المنظومة الأنجلوسكسونية ونضعه في منظومة قضائية في مملكة البحرين. هذا غير مناسب في هذا الوقت، فهذا يحتاج إلى دراسة ويحتاج إلى إعادة هندسة النظام القضائي في مملكة البحرين. إضافة إلى أن هذا المقترح يحتاج إلى ما يسمى هيئة المحلفين، ونظامنا القضائي لا يوجد فيه ما يسمى هيئة المحلفين، فلابد أن نوجد أولاً هيئة محلفين ثم نستطيع تطبيق هذا المقترح. لذلك أتمنى على المجلس الموقر أن يرفض هذا المقترح لأنه سيعقد الأمور في المحاكم بدلاً من تسهيلها، وسنرى الكثير من التعقيدات والمشاكل في أروقة المحاكم، وشكرًا.
الرئيـــــــــــــــس: شكرًا، تفضلي الأخت مقررة اللجنة.
العضو جميلة علي سلمان: شكرًا سيدي الرئيس، كلنا نعرف أن الهدف من العقوبة هو مواجهة الخطورة الإجرامية لدى المتهم، وتحقيق غايات الإصلاح والردع العام. هذا المقترح أخذت به بعض الدول، والدول الغربية التي أخذت به قليلة جدًا. وسبق أن عُرض هذا المقترح على مجلسكم الموقر وقلنا إن هذا النظام المطبق في الدول الغربية لا يطبق على كل الجنح، بل يطبق على الجنح البسيطة التي لا تشكل خطورة على المجتمع، وتم استثناء الجرائم التي اعتبرتها هذه الأنظمة من الجرائم الخطيرة مثل الجرائم السياسية والأمنية والمتعلقة بجرائم النشر والقتل الخطأ وغيرها من الجنح التي تعتبر خطيرة. نحن لما نأتي إلى هذا المقترح نرى أنه استهدف الجنح، وعندما نحصر الجنح الموجودة في قانون العقوبات البحريني فسنرى أن ثلاثة أرباع قانون العقوبات ــ من غير مبالغة ــ هو جنح، أو نصف قانون العقوبات هو جنح. واللجنة طلبت من قسم البحث القانوني أن يحصر لنا الجنح، فتم حصر 36 نوعًا من الجرائم الخطيرة التي يستهدفها هذا الاقتراح بقانون، ومنها الجرائم الماسة بأمن الدولة الخارجي والجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي، والتجمهر، والشغب، والجرائم المخلة بواجبات الوظيفة العامة مثل الرشوة والاختلاس والإضرار بالمال العام، وجرائم التعدي على الموظفين وعلى الهيئات النظامية وعلى السلطات العامة مثل الأختام وغيرها، والجرائم المخلة بسير العدالة وسير القضاء، والجرائم المتعلقة بالأسرة وبالدعارة، وغيرها الكثير من الجرائم الخطيرة. فإذا غيرت نظامي الجنائي وطبقته على هذه الجرائم فأين الردع العام الذي يستهدف أساسًا أن نقضي على الخطورة الإجرامية ووقف الجرائم التي تخل بأمن البلد؟! وإذا طبقنا هذا المقترح فإن ذلك سيشجع المتهم على ارتكاب الجريمة عدة مرات، وذلك سيؤدي إلى التقليل من قيمة الردع العام والخاص، وخصوصًا أن المتهم ــ بهذا المقترح ــ لن يطبق عليه العَوْد، ونحن نعرف أن الشخص عندما يرتكب جريمة ويعود مرة أخرى إلى ارتكاب الجريمة نفسها تكون العقوبة مشددة، ولكن في هذا المقترح لن يطبق العَوْد، وهذا سيشجع المتهم على ارتكاب الجريمة مرة ثانية، لأن المادة 78 من قانون العقوبات في البند المتعلق بالعَوْد حددت متى يعتبر المتهم عائدًا في حالتين: الأولى: من حُكم عليه بحكم نهائي بعقوبة جناية ثم ارتكب جريمة بعد ذلك. والثانية: من حُكم عليه بحكم نهائي بالحبس مدة ستة أشهر أو أكثر ثم ارتكب جنحة قبل مضي خمس سنين من تاريخ انقضاء هذه العقوبة من تاريخ سقوطها بالتقادم، وبما أن هذا المقترح ينص على أن العقوبة التي يجب أن يحكم بها على المتهم هي الحبس مدة لا تزيد على 3 شهور أو نصف الحد الأقصى للعقوبة، فمعنى ذلك أنني هنا لن أطبق مبدأ العود، وبالتالي سيعود مرة أخرى إلى ارتكاب الجريمة، وهنا سيحكم عليه بالحبس مدة 3 شهور أو بنصف العقوبة المقررة، ثم يأتي مرة أخرى ويرتكب الجريمة نفسها، وقد قلنا إن هذه الجنح المنصوص عليها هي على درجة من الخطورة. أرى أن هذا المقترح سيؤدي إلى القضاء على الردع العام وانتشار الجريمة في المجتمع؛ ولذلك عندما قامت اللجنة بدراسته رفضته حفاظًا على أمن المجتمع ومنعًا لانتشار الجريمة فيه، وشكرًا.
الرئيـــــــــــــــس: شكرًا، تفضلي الأخت رباب عبدالنبي العريض.
العضو رباب عبدالنبي العريض: شكرًا سيدي الرئيس، أحببت أن أشكر لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والأمن الوطني على تقريرها، وأنا أعذرهم وأعذر الكل لأن المقترح يعتبر مقترحًا تقدميًا في مسألة السياسية الجنائية. في كل الدول عندما تبدأ أمور جديدة في السياسة الجنائية فلابد أن يحدث هذا النوع من البلبلة، وهذا أمر طبيعي. الأمر الآخر، أحببت أن أشكر لجنة الشؤون التشريعية والقانونية لأن غالبية أعضائها لم يجدوا أي شبهة دستورية في هذا المقترح، وفعلاً لا توجد فيه شبهة عدم الدستورية لأنني أخذت هذا المقترح أساسًا من القانون الفرنسي، حيث إن لديهم تعديلات في قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي، وقد تم عرضه على المجلس الدستوري الفرنسي وقال المجلس إنه لا توجد فيه شبهة عدم الدستورية طالما أن الضمانات القضائية موجودة فيه، وهذا توجه نعتبره توجهًا تقدميًا. لقد استندت إلى هذا المقترح بعد بحث طويل ــ وكانت معي الأخت دلال الزايد ولكنها انسحبت فقط لأنها وجدت أن توقيت تقديم المقترح لم يكن مناسبًا ــ وقد أخذته من نظام تحقيق العدالة الجنائية باتفاق الخصوم وهو نظام موجود في السياسة الجنائية، وبوادر التوجه إلى هذا النظام ظهرت في المؤتمر الأول لمكافحة الجريمة ومعاملة المذنبين الذي نظمته الأمم المتحدة في جنيف، ومن أهم توصياته عدم تطبيق العقوبات المقيدة للحرية إلا على الجرائم الخطرة، وفي أضيق الحدود طبعًا، وهذا ما أكده اجتماع وزراء العدل في أوروبا الذي عقد سنة 1970م،حيث أكدوا هذا الاتجاه. كما أن إعلان (فيينا) لسنة 2002م خرج بتوصية مهمة جدًا، حيث أوصى في البند 27 الدول بأن تتخذ إجراءات وطنية إقليمية دولية في مسألة السياسة الجنائية. آليات الوساطة وآليات العدالة التصالحية هي الباب الأساسي في التوجه الجنائي الحديث، وقد وضعت في عام 2002م، حيث شكلت البداية الأساسية التي لابد أن تتجه إليها الدول، وأعتقد أن مسألة التدرج في السياسة الجنائية بدأت منذ أول مؤتمر أوصى بذلك والذي انعقد في سنة 1955م عندما دخلنا في التدرج في هذه السياسة، وأهم تدرج هو قوانين الأحداث التي أخذت بها جميع الدول، ونحن لدينا قانون الأحداث منذ سنة 1976م، وقد قرر عقوبات وتدابير للجرائم التي ترتكب من قبل الأحداث. وهناك توجه عالمي في موضوع السياسة الجنائية، حيث كان دور القاضي في الإجراءات الجنائية محدودًا، مثلاً: في تطبيق العقوبة يفحص الأوراق، أي أن دوره كان دورًا جامدًا، وبعد ذلك تطورت السياسة الجنائية وأعطت القاضي دورًا اجتماعيًا من خلال مبدأ تفريد العقوبة، بالتالي أصبح هدفه إصلاح المتهم الذي أمامه وليس تطبيق العقوبة عليه، وبالتالي نحن نتكلم عن التدرج في السياسة الجنائية. وهناك أيضًا التدرج التصالحي الذي أعطى المجنى عليه حرية التصالح مع المتهم، ومن ثم تدرجت السياسة الجنائية وأعطت جميع أطراف الخصومة بما في ذلك النيابة العامة حرية التصالح، لماذا؟ لأنهم وجدوا أن الردع والحبس ليسا الحل لموضوع إصلاح المتهم، فهل هدفنا هو أن نسجن المتهم ونعاقبه بعقوبات؟! وحتى في الجرائم الإرهابية وغيرها، مادام المتهم مواطنًا فإن الدولة ملزمة بإصلاحه، وإصلاح المتهم يكون من خلال عدة تدابير، وبعد أن درست الموضوع وبدأت أصوغ هذا القانون كنت أعلم أن المسألة صعبة ومن الممكن ألا نتقبلها، ولكن أعتقد أنها ستكون خطوة تقدمية، ولنكن أول دول عربية تتبع ذلك، اليوم جريدة الأيام نشرت أن الإمارات ستنشئ سجونًا بدون حراس، ونحن قد نتساءل باستغراب: كيف تكون السجون بدون حراس؟ من المؤكد أن الإمارات درست هذا الموضوع ووجدت أنه الأصح، فلم يعد دور الدولة فقط هو تشديد العقوبات وحبس الناس، هذا ليس هدفنا بل هدفنا هو إصلاح الناس، وما دام الشخص ارتكب خطأ فإنه يخرج إلى المجتمع بعد أن يقضي عقوبته وبعد أن أعطيه فرصة ليصبح إنسانًا صالحًا. لقد وضعت في المقترح كل الضمانات القضائية، وحاولت أن أتفادى شبهة عدم الدستورية الموجودة أساسًا في التشريع الفرنسي، رغم أن المجلس الدستوري الفرنسي قال إن هذا القانون صحيحًا بعد أن عُدِلَ فإنني أشدد على أنه لابد أن تكون الضمانات موجودة. بالنسبة إليَّ وضعت سقفًا أعلى للعقوبات في الجنح وهو 3 سنوات حتى نعطي المتهم فرصة من خلال شعوره بالذنب وبالتالي يقوم بالاعتراف. وبخصوص ما ذكرته الأخت جميلة سلمان وهو أن الشخص سيكرر ارتكاب الجريمة، لقد حاولت أن أتدرج على الرغم من أن الدول الأوروبية والدول المتقدمة مثل أمريكا وغيرها موجود لديها موضوع إقرار المتهم بالتهمة قبل المحاكمة، حاولت أن أتدرج ووضعت له مرة واحدة، بمعنى أنه في الجرائم المتماثلة إذا اعترف بجريمة مرة واحدة فلن يطبق عليه القانون مرة أخرى، وبالتالي لا يوجد في هذه المسألة أي تكرار. أرى أن هناك تخوفًا وقد يكون للإخوة حق في ذلك، ولكننا نتكلم عن دول عريقة ولا نتكلم عن أن الدول الأنكلوسكسونية طبقته فقط، ففرنسا ليس لديها النظام الأنكلوسكسوني، ونظامنا في البحرين في الأصل هو نظام مأخوذ من النظام الفرنسي، وبالتالي أتمنى على الأعضاء أن يكونوا مبادرين في هذا الموضوع، فما هو هدفنا باعتبارنا مشرعين؟ هل هدفنا أن نحبس؟ هل هذا هو الردع الصحيح الذي نهدف إليه أم هدفنا ــ كما هو التوجه العالمي حاليًا ــ أن نصلح هذا المتهم؟ هذه بدائل، وأعتقد أنها ستكون جيدة بالفعل ولم تطبق في أي دولة عربية، وستكون مملكة البحرين هي التي تقدمت خطوة نحو الأمام في مسألة السياسة الجنائية. ونلاحظ أن الاقتراح لا يوجد فيه جبر بدليل أنني وضعت مسألة وجود محامٍ، وبالتالي لن يكون هناك إكراه للمتهم ولا يعتبر ذلك نوعًا من أنواع الإغراء أبدًا، وإذا اعتبرناه نوعًا من أنواع الإغراء فلماذا الدول الأوروبية وأمريكا أخذت بذلك؟ هذا المقترح يعتبر بدائل، وأرى أنه مسألة متقدمة جدًا في موضوع التصالح الجنائي. وأتمنى على الأعضاء أن يوافقوا عليه، وهو مجرد فكرة قابلة للتعديل والتغيير، وبالتالي من الممكن أن نعيد بلورة الاقتراح ونحدد فيه جرائم وغير ذلك بعد أن يحال إلى الحكومة وتتم صياغته ويأتي إلى السلطة التشريعية. وأتمنى على الأعضاء أن يوافقوا على هذا المقترح، لأنه لن يكون باسم رباب العريض بل باسم مجلس الشورى، وشكرًا.
الرئيـــــــــــــــس: شكرًا، تفضل الأخ فؤاد أحمد الحاجي.
العضو فؤاد أحمد الحاجي:شكرًا سيدي الرئيس، أختلف مع الأخت رباب العريض في مسألة أن هذا القانون قانون تقدمي وحديث، فقانون عقد الصفقات مع المتهمين موجود في القوانين الأوروبية وقانون أمريكا منذ قديم الزمان، وهو ليس قانونًا حديثًا أبدًا؛ لأن نظامهم القضائي يختلف اختلافًا جذريًا عن نظامنا. نحن لدينا القاضي بحسب ضميره يقوم بتقدير العقوبة وتفريدها بعد سماع تحقيقات النيابة العامة، وفي النظام القضائي الأوروبي لا يملك القاضي هذا الحق، والحق في يد هيئة المحلفين، وهيئة المحلفين مؤلفة من 12 فردًا يتم اختيارهم عشوائيًا، أي قد لا يكون من بينهم شخص قانوني أو له صلة بعلم التشريع، فشروط اختيار المحلف هي أن يكون من دافعي الضرائب وأن يملك منزلاً في المنطقة التي تغطي المحكمة حدودها، وعندما تستمع هيئة المحلفين للأدلة من قبل النيابة العامة أو ممن يطالب بالحق العام ومن وكلاء الدفاع، تقرر هنا ما إذا كان المتهم بريئًا أو مدانًا، فالقرار راجع إلى هذه الهيئة التي قد لا يكون من بين أعضائها شخص له دراية بالقانون، ويترك للقاضي بعد ذلك تقدير العقوبة، ونحن نظامنا القضائي يختلف. ومن هنا بدأت مسألة عقد الصفقات مع المتهمين حتى لا تكون هناك إطالة وحتى لا يكون هناك تأثير على هيئة المحلفين، ويصدر القرار بالبراءة مع أن المتهم مدان، لأنه قد تكون النيابة أسقط عنها دليل أو اثنان، الأمر الذي أثر على القاضي في اتخاذ القرار الصحيح، مع أن المجرم معروف، وإذا خرج القرار من هيئة المحلفين بالبراءة فإنه أسقط في يد القاضي، ومن هنا جاء التخفيف بعد التفاوض والاعتراف حتى لا تطول الإجراءات ولكي لا يكون هناك تأثير وضغوط على المحلفين سواء بالرشاوى أو بالتهديد والوعيد، وقضايا المحلفين في أوروبا وأمريكا موجودة، وهذا موجود في نظامهم القضائي، ولكن نأتي نحن إلى مجرم أو متهم بعد أن قام بكل أعماله الإجرامية ونقول له اعترف ثم نخفف عليه الحكم! فلنفترض أنها جنحة ولمدة 3 سنوات، إذن أين حق المجني عليه؟! هل بمجرد اعتراف الجاني نخفف عنه الحكم؟! هذا غير صحيح، فنحن في مجتمع يُطالب بإحقاق الحق، أين الحق الخاص والحق العام؟ أنا لا أعرف هل جاء هذا المقترح للتفاوض والحفاظ على وقت المحكمة ووقت النيابة العامة أم لإصلاح المجرمين؟ إذا كان لإصلاحهم وإعادة تأهيلهم، فهناك وزارات وجهات معنية بذلك، ونحن المشرعين ليس هذا عملنا. كيف أظلم المجني عليه من أجل إصلاح المجرم؟! ثم يعود إلى تكرار جريمته، وأيضًا إذا اعترف نخفف عنه الحكم! إذن أين ذهب حق المجني عليه؟ وأين هو الحق العام؟ نحن ــ سيدي الرئيس ــ لدينا نظام للقضاء نسير عليه وهو الأصح، فإذا كنت سآخذ بهذا النظام وبهيئة المحلفين فيجب أن أغير كل النظام القضائي في البحرين، وأجلب هيئة محلفين، والقاضي لا يد له أو مكتف اليدين، والقرار لدى هيئة المحلفين، وسواء كان المتهم مذنبًا أو بريئًا أقول للقاضي اصدر الحكم تبعًا لما تقرره هيئة المحلفين الذين ربما لا يوجد بينهم إلا شخص واحد يستطيع أن يكتب اسمه أو أن يوقع. هذا المقترح لا يتماشى مع واقع مجتمعنا بتاتًا، وشكرًا.
الرئيـــــــــــــــس:شكرًا، تفضلي الأخت لولوة صالح العوضي.
العضو لولوة صالح العوضي:شكرًا سيدي الرئيس، أشكر لك سعة صدرك اليوم، فمدة بعض المداخلات 10 دقائق، وأخرى 6 دقائق، وأخرى 5 دقائق، فشكرًا لك على هذا الكرم. أنا اليوم سمعت بعض المداخلات التي لابد أن نتحقق منها، المداخلة تتكلم عن أن القضاء البريطاني الجنائي يعرف نظام المحلفين. بخصوص النظام القضائي البريطاني، فإن المشرع البحريني في قانون أصول المحاكمات الجنائية الذي صدر في الخمسينيات والسبعينيات، نقل النظام البريطاني إلى مملكة البحرين، ولم يعرف النظام البريطاني نظام المحلفين. أمريكا طبعًا معروف أن لديها نظام المحلفين. النقطة الأخرى: سمعت أيضًا في هذا الجدل اليوم أن في الدول الأوروبية صفقات، وهذه العبارة لا يجوز أن تُطلق على عواهنها بالنسبة إلى الدول الأخرى، فليس هناك صفقات، وإنما قوانينهم وضعت قواعد وإجراءات تكفل ضمانة التحقيق وضمانة التقاضي، فمن الصرامة أن المدعي العام لا يستطيع أن ينفذ بخيط إلى موضوع البراءة لجانب المتهم، فلهم قواعد وإجراءات وتدابير وآليات، حتى يصل إلى حالة من حالات التفاوض والعدالة مع المتهم. اليوم مهما قيل عن هذا المقترح ــ كما وصفته مقررة اللجنة ــ ومهما قيل عن الأسباب التي دعت اللجنة إلى رفضه، فإني أرى في هذا المقترح إخلالاً بضمانة البراءة للمتهم مهما قيل في نبل هذا التشريع وأهدافه، فالمتهم سوف يكون تحت رحمة سلطة التحقيق في النيابة العامة. المقترح لم يكتفِ بأن يكون الأمر أمام المحكمة إنما أمام سلطة التحقيق في النيابة العامة أيضًا. المقترح لم يتضمن الآليات الكافية لضمان حق المتهم في عدم الإغراء وعدم الإغواء من قبل النيابة العامة. العدالة التصالحية التي انتهت إليها الأخت رباب العريض والتي جاءت من اتفاقية جنيف لا تعني خرق مبدأ البراءة أو الاعتراف، إنما هذه العدالة التصالحية تعني أن هناك شخصين يتوافقان على إنهاء النزاع أو يتنازلان عن الشكوى، والمشرع البحريني عرف الدعاوى التي يتنازل فيها والتي أطالوا فيها حق الشكوى وحق التنازل. هذا الاقتراح يتعلق بتغيير الفلسفة التشريعية في مملكة البحرين، ويحتاج أولاً وقبل كل شيء إلى التوافق مع الأجهزة القائمة على التحقيق وعلى التقاضي، وهي وزارة العدل والنيابة العامة والسلطة القضائية. لا يمكن أن أقلب النظام التشريعي أو الفلسفة التشريعية الجنائية برمتها لمجرد اقتراح من دون أن تكون هناك دراسات عملية ودراسات مسحية لنظام الفلسفة التشريعية الجنائية في مملكة البحرين. أنا أختلف مع الأخت دلال الزايد حينما قالت إنها انسحبت بسبب التوقيت، في نظري إنها حرة في رأيها ولكن المهم هنا ليس التوقيت، بل مضمون التشريع. كيف يكون هناك تصالح ــ كما ذهبت إليه الأخت رباب العريض ــ في موضوع يمس قضايا أمن الدولة؟! مقررة اللجنة قالت «معظم»، أو قالت بعد الدراسة التي قاموا بها ومنها الجرائم المتعلقة بأمن الدولة الداخلي والخارجي. إذا كان هذا المقترح قائمًا على مبدأ العدالة التصالحية، فكيف سيكون التصالح مع متهم يضر بالأمن الداخلي والخارجي للدولة؟ ومن سيتصالح معه؟ الاقتراح لا يقوم على مبدأ العدالة التصالحية، وليست له علاقة أبدًا بالعدالة التصالحية، من سيتصالح مع المتهم في أمر يمس الأمن الداخلي والخارجي؟ ما هي الضمانات التي تمنع استغلال النيابة العامة للمتهم في قضايا من هذا النوع؟ ومهما قيل من تبريرات لرفض هذا المقترح، فإني أرى أنه يخل بضمان البراءة، ويخل بمركز المتهم أثناء التحقيق، ولم يتضمن أي إجراءات أو تدابير لحماية المتهم من سلطة التحقيق، فأنا لا أتكلم ولا أمس السلطة القضائية، ولكنني أمس سلطة التحقيق لأنها خصم للمتهم، وإن كانت
ــ كما يُطلق عليها ــ خصمًا شريفًا، إلا أن المتهم سيكون عرضةً للإغواء والإغراء، ونحن نعلم أن المتهم عندما تُمس حريته أو تُقيد حريته فهو كالغريق الذي يتمسك بأي قشة للنجاة من تقييد حريته. توقيت ومضمون هذا الاقتراح لا يتفقان مع الفلسفة التشريعية والجنائية والقضائية في مملكة البحرين، وشكرًا.
الرئيـــــــــــــــس:شكرًا، تفضل الأخ العميد محمد راشد بوحمود الوكيل المساعد للشؤون القانونية بوزارة الداخلية.
الوكيل المساعد للشؤون القانونية بوزارة الداخلية:
شكرًا سيدي الرئيس، سأبدأ بما انتهت إليه الأخت لولوة العوضي، فهي أصابت أعماق التعديل، وكانت نظرتها متفحصة. أنا أيضًا أذهب إلى ما ذهبت إليه لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والأمن الوطني في تقريرها وهو عدم الموافقة على هذا التعديل، وذلك لعدة أسباب وليس لسبب واحد. أولاً: أسباب وضع التعديل تتعارض أو تتعاكس مع نصوص التعديل، بدون الدخول في التفاصيل، فنحن نتكلم من حيث المبدأ، والمبدأ في التصالح لم يأخذ بالحسبان ــ كما ذكرت الأخت مقررة اللجنة ــ بعض الجُنح الخطرة التي عقوبتها لا تتجاوز 3 سنوات، ولم يأخذ بالحسبان خطورة مرتكبيها. التعديل من ناحية أخرى يُقيد القضاء ومسألة تقدير العقوبة لأن الأخذ بالتعديل الوارد إلزامي للنيابة وإلزامي للقضاء بدون الأخذ في الحسبان أي موضوع آخر، بمعنى أنه له إرادة منفردة وليس تفاوضًا، فيأتي المتهم ويقول أريد أن أعترف بهذه الجريمة، فيُسجل اسمه، وتُسجل بيانات المتهم والتهمة المنسوبة إليه، وبالتالي لا تملك النيابة ولا يملك القضاء أيضًا التفاوض فيها، سواء كانت خطرة أو غير خطرة، وسواء كانت ثابتة أو غير ثابتة، فلا يملك حق النقاش في هذا المجال. ثانيًا: الأخت لولوة العوضي قالت إن الأمر يتطلب ضمانًا بأن القضاء أو النيابة العامة لن يضغطا على المتهم بحيث يُمليان عليه شروطًا أو يجبرانه على الاعتراف. من جانب آخر، يجب على النيابة العامة والقضاء أن يضمنا عدم وجود إكراه من الخارج أو من الغير على المتهم، فلنفترض أنني ارتكبت جريمة ما ــ لا سمح الله ــ وأريد أن أفلت من العقاب، فأدفع لشخص ما مبلغًا من المال وأقنعه بالاعتراف بجنحة كونها بسيطة ومدتها 3 أشهر وسوف يخرج من السجن، فأقنعه بالاعتراف على نفسه مقابل هذا المبلغ وتحمل هذه التهمة وعقوبتها، وهذا منفذ بسيط وسلس جدًا للإفلات من العقاب، فكما يقول الإخوان، تحمل التهمة وعقوبتها فتُسجن لمدة 3 أشهر وتحصل على مبلغ (ولا من شاف ولا من درى). المبدأ خطر ويخل بالسياسة القضائية الجنائية باعتبارها نظامًا أساسيًا. الفكرة جيدة ونبيلة جدًا، ولكن تطبيقها مستحيل، وطريقة إجراء التعديل بهذا الشكل تتناقض مع كل ما سُرد من أسباب، ولتسمح لي الأخت رباب العريض، كل الأسباب التي وردت تتناقض مع القصد من هذا التعديل، فلا توجد سرعة إنجاز، وليس فيه عدالة ناجزة، فهذه ليست عدالة ناجزة، والمطلوب هو عدالة ثم إنجاز، ولكن بهذا الشكل ليست هناك عدالة، وقد يكون هناك إنجاز، وإذا كان هذا المبتغى فهذا أمر آخر. اسمح لي يا سيدي الرئيس، بخصوص المثال الذي ضُرب بشأن مواد المخدرات في المشروع رقم (15) لسنة 2007م في المادة (30) وغيرها وهو أن يعفى من العقاب أو يُخفف عند الإبلاغ عن الجريمة التي لم تُكتشف؛ يوجد فارق في التشريع، أو في المثال بين هذا وذاك، فهذا يذهب ويُبادر الجاني نفسه بالإبلاغ عن الجريمة ومن ثم يُعفى من العقاب أو يُخفض له بحسب الأحوال، بينما يختلف الوضع حينما أجلب أنا المتهم مضبوطًا ومتلبسًا، وسأضرب لكم مثالاً عمليًا بسيطًا على ذلك: حينما نضبط شخصًا في قضية جريمة سرقة عادية وليست في ظروف مشددة، ومن ثم يأتي ويقول لوكيل النيابة والقضاء أنا معترف ويطلب من القضاء أن يصدر حكمًا عليه لمدة 3 أشهر ويقول لا تضيع وقتي! هل هذا منطق عدالة؟! اسمحوا لي، إذا كان هذا منطق عدالة فأنا أختلف معهم فيه، ولذلك من منطلق واحد في هذا التعديل فإن إلزامية الاعتراف ليس فيها مفاوضات، إنما هي إلزامية من جهة واحدة وهي المتهم، وليس من جهة القضاء. ومتى ما اعترف ــ بحسب النص الوارد ــ رفعت النيابة العامة يدها ورفع القضاء يده وكان الله غفورًا رحيمًا. وأخيرًا، وإن لم يكن الهدف من التجريم هو الحبس ــ كما تفضلت الأخت رباب العريض ــ ولكن بالتأكيد يجب ألا يكون التشريع سببًا للإفلات من العقاب، وهذا التعديل
ــ إن تم إقراره ــ سيؤدي إلى إفلات واضح من العقاب، وهذا يتنافى مع كل المبادئ والفلسفات العقابية، فلا أنجلوسكسونية ولا أنجلوأمريكية ولا لاتينية ولا غيرها. لا توجد سياسة عقابية تقول بالإفلات من العقاب، وإلا لماذا أفرض عقابًا إذا كانت هناك سياسة للإفلات منه؟! أنا أشكركم سيدي الرئيس، وأرجو من السادة الأعضاء مخلصًا ومن باب كوني شخصًا صاحب تجربة في هذا المجال الجنائي منذ سنين طويلة في المحاكم، أرجو منهم إدراك أن في إقرار أو الموافقة على هذا التعديل إخلال جسيم بالنظام القضائي والعدالة الجنائية، وإفلات من العقاب، وأكرر إفلات من العقاب، وهذا ليس مبتغى أو مراد أي مشرع على الإطلاق في أي مكان في العالم مهما كانت نظرته مثالية بالنسبة إلى المتهمين، وشكرًا.
الرئيـــــــــــــــس: شكرًا، يا إخوان وصلني اقتراح موقع من خمسة من الإخوة الأعضاء، وهم: الدكتور عبدالعزيز حسن أبل، والدكتور سعيد أحمد عبدالله، والسيد حبيب مكي هاشم، ونوار علي المحمود، وجمعة محمد الكعبي، يطلبون قفل باب النقاش. وسنعطي صاحبة الاقتراح فقط فرصة الكلام ثم سنقفل باب النقاش، تفضلي الأخت رباب عبدالنبي العريض.
العضو رباب عبدالنبي العريض: شكرًا سيدي الرئيس، أنا صراحة سعيدة بهذا الحوار والاختلاف في وجهات النظر، وحتى لو رُفِضَ المقترح سوف أكون سعيدة أيضًا. لقد قلت منذ البداية إن التخوف الذي لدى الجميع هنا كان موجودًا لدى كل الدول التي أقرت مبدأ التصالح ومسألة التفاوض ومسألة الوساطة، والتي نتكلم عنها دائمًا في الأمور المدنية، ولكن في الأمور الجنائية نجد أنه من الصعب الأخذ بها. هناك مبدأ متفق عليه دوليًا يقول إن العدالة المتفق عليها ــ وبالذات العدالة الجنائية ــ دائمًا أفضل من العدالة الملزمة، وعلى ضوء هذا المبدأ وضعت مقترحي. وأحببت أن يكون لدينا هذا القانون ضمن السياسة الجنائية الموجودة في الدولة. الأخت لولوة العوضي أقول إن معها حق في أن المقترح ربما يخالف مبدأ التحقيق، ولكن إذا تكلمنا في مسائل الجُنح فإن التحقيق أساسًا وفقًا لقانون الإجراءات الجنائية غير مُلزم للنيابة العامة، وبالتالي من الممكن أن تُحيل القضية إلى المحكمة، والمحكمة هي التي تقوم بالتحقيقات، وقانون الإجراءات الجنائية واضح في هذا الموضوع. المقترح الذي تقدمت به ليس تصالحًا، أعني أنها ليست مسألة تصالحية، وإنما هي مسألة تفاوضية، أي أنه يتم التفاوض مع النيابة العامة والنيابة العامة تقترح، وليست النيابة مُلزمة بأن تقترح، وهذا النظام وضع أساسًا بالنسبة إلى الجرائم الثابتة على المتهم، وبالتالي الدولة ممثلة في النيابة العامة أرادت أن تساعد هذا المتهم وتعطيه فرصة للإصلاح، فربما لا تكون لديه سوابق، وقد يكون شخصًا جيدًا، والكثير من الأمور الأخرى، مثل أنه قد تكون لديه عائلة وتقييد حريته سوف ينعكس على عائلته، أو ربما تعاني الدولة من اكتظاظ السجون، ونحن نعرف أن وجود الكثير من المساجين يعني مصاريف ضخمة بالنسبة إلى الدولة، وهناك جرائم لا تستحق أن تقيد حرية مرتكبها، والمسألة سوف تكون مسألة تفاوضية، وأقول للمتهم إذا اعترفت، وكل الأدلة ثابتة عليك، فسوف أعطيك عقوبة مخففة، فيتم التفاوض على الاعتراف، ويتم التفاوض على العقوبة، ولا يوجد في المسألة إكراه، لأن المحامي موجود وله رقابة على المسألة التفاوضية، وبالتأكيد المحامي سوف ينصح المتهم بأن كل الأدلة ضده والأفضل له أن يعترف بالتهمة في مقابل أن يحصل على عقوبة مخففة. أنا أعلم أن المسألة فيها شيء من الصعوبة، ولكن لا أعتقد أنها سوف تهدد أمن المجتمع واستقراره، بل على العكس أعتقد أنها سوف تساعد على ثبات أمن المجتمع، لأن هناك مسائل تصالحية وهناك مسائل تفاوضية، وهناك مسألة الوساطة في المسألة الجنائية. ولدي نقطة أخرى، نحن عندما قدّمنا مقترحًا ــ على ما أعتقد في الفصل التشريعي الثاني ــ أنا والأخت دلال الزايد حول مسألة التصالح، كان ضمن الاستراتيجية التي وضعتها وزارة العدل بشأن المسألة التصالحية في الأمور الجنائية، ولكن حين تقدمنا بمقترحنا لقي الكثير من المعارضة، وقيل إنه سيسبب الكثير من المشاكل والفوضى وعدم الاستقرار، وبعد ذلك نرى أن توجه الدولة حاليًا هو توجه تصالحي في المسائل الجنائية على الرغم من أن قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية فيهما نصوص وقوانين أخرى في المسائل الجنائية تحوي أمورًا تصالحية بالنسبة إلى هذا الموضوع. وأحب أيضًا أن أوضح النقطة التي أشار إليها الأخ العميد محمد بوحمود بالنسبة إلى موضوع قضايا المخدرات وقوله إنه بلّغ، ويا ليته كان دقيقًا وقرأ النص بشكل واضح، وقوله إنه بعد أن يُقبض على المتهم ويعترف تخفف عليه العقوبة ويمكن أن يستفيد من الإعفاء، وبالتالي ليس فقط أن يبلّغ سابقًا، بالنسبة إليّ النص واضح، رغم أنني لا أرى في هذا النص عدالة، لأنه سوف يتخلص من التهمة، ويلقيها على أناس آخرين. مازلت أقول إن هذا المقترح هو مقترح تقدمي بالنسبة إلى مسألة التصالح أو التفاوض أو حتى الوساطة الجنائية، وشكرًا.
الرئيـــــــــــــــس: شكرًا، يا إخوان لدي مقترح بقفل باب النقاش، ولدي ثلاثة إخوة يطلبون الكلام، وأنا أقترح عليكم أن نسمح لهم ونطلب منهم الاختصار. تفضل الأخ سعيد محمد عبدالمطلب المستشار القانوني بوزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف.
المستشار القانوني بوزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف:
شكرًا سيدي الرئيس، أشكر لمعاليك أن سمحت لي بالكلام، ولكن واضح من جميع مداخلات اليوم أننا لم نسمع عن حق المجني عليه، يقول الله تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ﴾...
الرئيـــــــــــــــس: قال ذلك الأخ فؤاد الحاجي.
المستشار القانوني بوزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف:
لم يشر أحد إلى حق المجني عليه.
الرئيـــــــــــــــس: أشار إلى ذلك الأخ فؤاد الحاجي.
المستشار القانوني بوزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف:
إذن المطروح اليوم هو أن هذا القانون موجود في دول أوروبية ولكنه لا يصلح في دولة إسلامية، فالشريعة الإسلامية هي المُطبقة؛ وديننا الحنيف في الدولة الإسلامية يتكلم عن القصاص، فلا يصلح هذا القانون بالنسبة إلى حقوق المجني عليه، قد تصلح في بعض الجرائم وليس في كل الجرائم كما جاء الأمر عامًا في هذا القانون، وشكرًا.
الرئيـــــــــــــــس: شكرًا، تفضل الأخ الدكتور ناصر حميد المبارك.
العضو الدكتور ناصر حميد المبارك: شكرًا سيدي الرئيس، ابتداء قد أوافق الأخت رباب العريض في أن عرض الاعتراف على المتهم ليس إغراء باعتبار أنه أصلاً من باب تلاوة الحقوق القانونية على المتهم، ولكن أظن أنه إغراء للمتهم قبل ارتكاب الجريمة بارتكابها، لأنه يعرف المنفذ قبل أن يقدم على جريمته، هذا أولاً. ثانيًا: التفاوض هنا غير متحقق، لأن التفاوض يعني أن تدفع شيئًا وتأخذ شيئًا، وهنا منحة كاملة للمتهم من دون أن يدفع في مقابل ذلك أي شيء إلا الاعتراف الذي يعرف أنه مخلص له. ثالثًا: أن هذا الاعتراف قد تكون له قيمة في المجتمعات التي نُقل منها القانون باعتبار أن الاعتراف في ثقافتهم يعني الندم والتوبة، وهنا الاعتراف عندنا مجرد وسيلة للخروج وليس الندم، هناك إذا وقف واعترف فمعنى ذلك أنه يعلن أنه مستعد لتحمل العقوبة كاملة جزاء لجريمته، وليس الاعتراف معناه التنصل من العقوبة وطلب الإعفاء، وهذا يسبب مشكلة؛ بالإضافة إلى موافقتي لما قاله سعادة المستشار القانوني بوزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف من أن هذا الأمر سيسبب مشكلة في مجتمعنا، إذا عرف كل شخص أنه يمكنه أن يتحرش بالآخرين ويعتدي عليهم وهناك مخرج للهروب من العقوبة فسيسبب ذلك مشكلة، والطرف الآخر سيشعر بالغُبن، وهذه مشكلة كبيرة، وشكرًا.
الرئيـــــــــــــــس: شكرًا، آخر المتحدثين تفضل الأخ الدكتور الشيخ خالد بن خليفة
آل خليفة.
العضو الدكتور الشيخ خالد بن خليفة آل خليفة: شكرًا سيدي الرئيس، أريد في الحقيقة أولاً أن أدافع عن زميلنا العميد محمد بوحمود ودقته، لأننا عملنا معه في اللجنة أكثر من أربع سنوات، وأريد أن أشير إلى ما جاء في المقترح حيث يقول: «يُعفى من العقوبات المنصوص عليها في المواد 30 و31 و34 فقرة أولى و36 فقرة أولى من هذا القانون ــ المقترح الآن ــ كل من بادر من الجناة بإبلاغ السلطات العامة عن الجريمة المرتكبة قبل علمها بها، وإذا تم الإبلاغ بعد علم السلطات بالجريمة فيشترط للإعفاء من العقوبة أن يؤدي الإبلاغ إلى ضبط باقي الجناة أو الكشف عن الأشخاص الذين اشتركوا في الجريمة»، في الحقيقة أن المقترح في نظام المحلفين بلا شك أنه نظام مهم جدًا لأن الأدلة غير متوافرة، وهنا هذه النصوص المقترحة لا توضح في حالة إذا ما كانت الأدلة موجودة فلماذا التفاوض؟! ثم إنني سمعت خلال المداخلات اليوم أشياء كثيرة مغلوطة، ونحن نتكلم عن الدستور البحريني وليس عن الدستور الفرنسي، ونحن نعلم أنه لا توجد شبهة دستورية في الدستور الفرنسي بالنسبة إلى هذا المقترح، أما بالنسبة إلى الدستور البحريني فهناك وجهة نظر أخرى. بالنسبة إلى الإصلاح لا يُمكن أن نبدأ الإصلاح من العقوبة نفسها، وهل لكي أصلح شخصًا عليه حكم بعشر سنوات أقول له سوف أسجنك فقط خمس سنوات لكي أصلحك! هل هذا منطق؟! هل تخفيف العقوبة هو طريقة للإصلاح؟! على العكس هذا يشجع على الجريمة، والإصلاح يبدأ من مؤسسات الإصلاح، ونحن غيرنا اسم السجون واسميناها مؤسسات الإصلاح، وغيرنا اسم السجين واسميناه نزيل... إلخ، فالإصلاح يبدأ من هناك وليس من العقوبة نفسها. ثم نريد أن نشكر قسم الدراسات والبحوث في مجلس الشورى الذي قدّم لنا دراسة في اللجنة اشتملت على أكثر من 50 صفحة تتناول الجُنح التي يتحدث عنها هذا القانون، ومثلما ذكرت في بداية المداخلة أن هناك ــ كما ذكرت الأخت مقررة اللجنة ــ تُهمًا أو جرائم خطيرة جدًا، أكثر من 36 جريمة مضمنة في هذه المواد، والأخت ذكرت بعضها، ومنها الجرائم الماسة بأمن الدولة الخارجي والداخلي أيضًا. والجرائم ذات الخطر العام مثل الحريق والمفرقعات ــ وأريد أن أسرد هنا لكي يثبت ذلك في المضبطة ــ والجرائم التي عقوبتها الحبس على أساس قانون حماية المجتمع من الإرهاب. هذه المواد أريد أن أذكرها لأن قسم الدراسات والبحوث لم يقصر في ذلك، وهي المواد 11، 15، 18، 19، 22، جميعها مواد تكافح الأعمال الإرهابية. فكيف لنا أن نخفف العقوبة عن طريق هذا المقترح عن مجرمين ارتكبوا أعمالاً إرهابية؟! وشكرًا.
الرئيـــــــــــــــس:شكرًا، هل هناك ملاحظات أخرى؟
(لا توجد ملاحظات)